خلال تغطيتي الأخيرة لنهائيات كأس أمم إفريقيا للسيدات، أيقنت أن مدرجات الملاعب لم تعد فضاءً خالصًا لعشاق الكرة وأوفياء المنتخب، أولئك الذين يحفظون الأسماء ويعرفون التاريخ بشغف وحب. تأكدت أن هناك دخلاء، غرباء، أغلبهم مؤثرون لا علاقة لهم بكرة القدم، هم بالتأكيد بعيدون كل البعد عن الرياضة، ولا يفهمون سوى لغة الأرقام الاقتصادية.
مدرجات الملاعب الوطنية، في المحافل الكبرى ومباريات المنتخب الوطني، أضحت مزيجًا غريبًا من الهواتف المرفوعة، والابتسامات المصطنعة، وصراخ غير مؤثر، ولا يرتبط بإيقاع المباراة. هناك شيء تغيّر، ليس فقط في من يجلس في المقعد، بل في معنى أن تكون "مشجعًا".
ما يثير الاستغراب أكثر هو أن بعض من يُمنحون التذاكر المجانية أو الدعوات الرسمية لا يأتون بدافع الحب أو الدعم، بل بدافع التوثيق. نعم، توثيق اللحظة، لا عيشها. صار حضور المباراة بالنسبة لهم "فرصة محتوى"، لا "فرصة انتصار". تحوّل التشجيع إلى خلفية في "ستوري إنستغرام" أو "فلوق يوتيوب"، بدل أن يكون هدفًا في حد ذاته.
بمجرد الحضور لإحدى المباريات، ستتأكد أن نوعية الجمهور تغيّرت. سترى من حاولوا اقتناء التذاكر وتحملوا عناء السفر، خارج الملعب، ولم يلجوا المدرجات التي امتلأت بأصحاب "الإنستغرام"، الذين يأتون بدعوات خاصة ويحملون اعتمادًا به امتيازات، ويمكنهم من ولوج مناطق يُحرَم منها الصحفي الذي ينقل الخبر.
صوت الجمهور الحقيقي بدأ يخفت، لا لأن شغفه قلّ، بل لأن المقاعد تُمنح لغيره. أولئك الذين يذوبون عشقًا للجلد المدور، لم يعودوا يجدون مكانًا، لا في المدرجات ولا في الصورة. صار الانتماء يُقاس بعدد المشاهدات، لا بعدد الدقائق التي قُضيت في المدرج تحت الشمس أو المطر.
أنا لا أقول إن "المؤثرين" لا يحق لهم الحضور، لكن ما يزعجني هو أن صوت الكرة يُستبدل أحيانًا بصوت الفلاش، وأن الانتماء يُمنح الآن مقابل "كود خصم" أو "رعاية مؤقتة". الجمهور الحقيقي هو العمود الفقري لأي فريق، وهو من كان مؤثرًا خلال إنجاز مونديال قطر التاريخي. وإذا استمر تهميشه لصالح جمهور الواجهة، فسنفقد جوهر اللعبة، وما يربطها بالناس.
قد تكون الكرة للجميع، لكن المدرجات يجب أن تظل لأهلها، لمن يحبون بصدق، وتملأهم الرغبة والشغف، لا لمن نشروا مقاطع الحزن بعد الإخفاق بدقائق معدودة، بينما الجماهير كانت تحت الصدمة تحاول أن تفهم: ماذا حدث؟ كيف؟ ومتى؟
أنقذوا المدرجات.. أنقذوا الكرة الوطنية.