أضواء كاشفة// إلى الركراكي.. آنَ لك أن تُوسِع صدرك وتتّعِظ من ديشان

10 أكتوبر 2025 - 03:00

كأنه جامِد وفي وضعية راكدة، يبدو المنتخب المغربي بقيادة المدرب وليد الركراكي وفيا لعاداته. تتعدّد المباريات وتختلف الاستحقاقات لكن السيناريو واحد، والأسطوانة صارت أكثر عُرضةً للشُّروخ من فرط تكرارها. شكّل اللقاء الودي أمام المنتخب البحريني، مساء أمس، فرصة لإعادة الإنتاج وتفريخ مشاعر ورؤى تستولي على فئة كبيرة من الجماهير المغربية، وقد شملت فضلا عن الأداء الجماعي والمستوى الفردي حتى ردود فعل الناخب الوطني.

كانت تسعون دقيقة مُفعمة بالرّتابة أمام منتخب بحريني ركن إلى الخلف واعتمد على الدفاع المُتأخّر، وهذه هي العُقدة التي لازال الركراكي لم يهتدِ إلى مفتاح لفكّ شفرتها، فيما مُعظم المنتخبات التي تواجهنا باتت تفطن إلى هذه الجزئية، تترك لنا الكرة وتتكتّل في الوراء، كما لو أنها تُدرك عجز الناخب الوطني عن العثور على الحلول الهجومية الكفيلة بالنفاذ إلى المرمى، وإيجاد المسالك المُفضية إلى هز الشباك.

والواقع أن الترسانة البشرية التي يحوزها المنتخب المغربي، خاصة في الخط الأمامي، تُسائل الركراكي وتضعه في خندقٍ تنتفي فيه المبرّرات، مهما امتلك الجسارة في الإجابة عن تساؤلات الصحفيين والرأي العام، ومهما حاول الاستدلال بلغة الأرقام والإحصائيات وسلسلة الانتصارات. كل هذه المعطيات تُفرَغُ من شرعيتها أمام معادلة غير متوازنة، تجمع طرفا مُدجّجا بنجوم يُمارسون في كبرى الأندية الأوروبية ومنتخباتٍ بأسماء متوسطة إن لم نقل متواضعة، لا تعرف سوى تحصين مناطقها الدفاعية.

خرج الركراكي من المباراة بنقاط إضافية مخصومة من رصيده الجماهيري، ثم أتى إلى الندوة الصحفية وهو يحاول، كما العادة، الدفاع عن حصيلته، وتبديد توجس الشارع الرياضي حول المنتخب، وهذا جانب آخر يُضعف موقف الناخب الوطني، الذي بدل أن يُهاجم على أرضية الملعب ويبتكر الحلول في الثلث الأخير، ينبرى إلى الإجابة بنفَسٍ هجومي عن أسئلة الإعلاميين، ويأخذ في المحاججة والتّدافع المُكثّف كأنه يخوض حربا ضروسا ذات طابع سياسي أو انتخابي.

أثارني في الندوة الإعلامية التي عقدها الإطار المغربي، مساء أمس، بعد المقابلة، ما ظهر عليه من نبرات انفعالية وردود فعل متشنجة، في مواجهة أسئلة مشروعة ومكفولٌ للصحفيين إلقاءها. العقم الهجومي ضد المنتخبات المتكتلة إشكالٌ شائع وبادٍ لدى كل الجماهير المغربية، بيد أن الركراكي لا يتوانى عن التعبير عن تأففه من أسئلة من هذه النوعية، ويشرع في شخصنة إجاباته مع أصحاب الأسئلة، مُبديا ضيقاً عند تفاعله مع الإعلاميين.

ما يسوقه الناخب الوطني من مُسوّغات في معرض الدفاع عن نفسه ضد الانتقادات المُوجّهة إليه لا يستند إلى أرضية صلبة، وبِنْية مُقنعة، فالحديث عن الانتصارات المتتالية والغلة التهديفية فقط يُظهر جانبا واحدا فقط من المعادلة، والأجدر عند قراءة نتائج النخبة الوطنية استحضار السياقات التي تحقّقت فيها، انطلاقا من الملاعب التي استضافت هذه اللقاءات ووصولا إلى أداء ومستوى المنتخبات المنافسة.

أتذكّر سنة 2018 في كأس العالم الذي أُقيم بروسيا، أن مدرب المنتخب الفرنسي، ديدييه ديشان، الذي كان يطوي المسافات بثبات ويمضي قُدما في الأدوار الإقصائية للمونديال، كان ذو رحابة صدر ومُنفتحا على التواصل والحديث، إزاء المؤاخذات التي واجهها بسبب إصراره على الزج بالمهاجم أوليفييه جيرو، الذي شارك في ست مباريات كأساسي، دون أن يُسجّل ولو هدف واحد في المسابقة.

نتحدّث عن مدرب قاد منتخب "الديكة" إلى التتويج بلقب كأس العالم، وأثبتت وصفته ومقاربته لحالة جيرو نجاحا لا يُشقّ له غبار، ورغم ذلك لم تنفّك أسئلة الإعلاميين عن التواتر، لكن دون أن يُشِْهر تبرُّمه في وجه الصحفيين ويعتصم بمبررات تمتح من الماضي، وتستعرض الأنا للدفاع عن موقفه أمام الرأي العام الرياضي الفرنسي.

ما يُمكن إجماله في الحالة الراهنة للمنتخب الوطني وأيضا مدربه وليد الركراكي، أن الشارع الرياضي ووسائل الإعلام من حقها بل من واجبها التنبيه إلى الاختلالات ومكامن القصور، ولا يُمكن مصادرة آرائها بدعوى الحفاظ على الجو العام المثالي. إن المدرب الذي يتقاضى عشرات الملايين من السنتيمات شهريا ويحظى بعدة امتيازات، هو مُلزم بالاشتغال تحت الضغط الشعبي ومُطالب بالتعامل مع الانتقادات، بلا تضخُّم أنا أو ضيق صدرٍ.

شارك المقال مع أصدقائك

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

إنفانتينو: خوض البطولات المحلية في الخارج خطر يهدد كرة القدم

باعوف لـ”العمق”: سعداء ببلوغ ربع نهائي المونديال ومواجهة المنتخب الأمريكي مِحكّ حقيقي

مبابي: تأقلمت جيدا في مدريد.. ونمحط الحياة أقل صخباً من باريس