خلال أجواء الشهر الفضيل، تتحول أزقة وأحياء المغرب إلى ملاعب مفتوحة تحتضن الدوريات الرمضانية، تلك البطولات الشعبية التي لطالما شكلت منصة خصبة لاكتشاف المواهب الكروية وصقلت مهارات نجوم المستقبل.
لكن بعدما كانت هذه الدوريات بمثابة منجم لا ينضب للاعبين الذين أضاءوا سماء الكرة المغربية، باتت اليوم تفقد بريقها، في ظل تراجع دورها كرافد أساسي للمواهب، مع اتجاه الأندية نحو الصفقات العشوائية بدل الاستثمار في التنقيب والتكوين المحلي.
وفي هذا الصدد أكد المحلل الرياضي هشام رمرام في تصريح خص به جريدة “العمق”، أن عملية التنقيب عن المواهب كانت جزءا لا يتجزأ من الثقافة الكروية المغربية في تسعينيات القرن الماضي، حيث كان هو أساس بروز العديد من اللاعبين في البطولة، وكان سبب انضمام العديد من المواهب للفرق المغربية”.
ويبدو أن مستقبل التنقيب عن المواهب في المغرب، حسب المتحدث ذاته، يقف عند مفترق طرق، فمن ناحية، هناك حنين إلى الماضي عندما كانت الدوريات الشعبية، خاصة الرمضانية، تشكل منصة خصبة للاكتشاف. ومن ناحية أخرى، هناك حاجة ملحة لتطوير آليات أكثر تنظيمًا وعلمية للبحث عن المواهب، خاصة في ظل المنافسة الشرسة على المستوى الإفريقي والدولي.
كما أوضح رمرام أن “التنقيب في تلك الفترة كان عملًا تطوعيًا من طرف محبي كرة القدم عامة وعشاق النادي خاصة، الأمر الذي يدفعهم للتوجه للأحياء والشوارع والتركيز على الدوريات الشعبية للبحث عن المواهب واقتراحها على الأندية”.
ووفقًا للمتحدث ذاته فإن هذه الثقافة بدأت في التراجع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الأندية المغربية تعتمد بشكل متزايد على الصفقات العشوائية، مستغنية عن عملية التنقيب التي كانت تعتبر في السابق عملية أساسية لتطعيم الفرق بالمواهب الجديدة.
وقارن رمرام الأندية المغربية ببعض الأندية الكبيرة والتي تتوفر على أقسام متخصصة في الهيكل التنظيمي تعمل بشكل منظم وعلمي للبحث عن المواهب، بامتلاكها لشبكة واسعة في العديد من الدول، خاصة في القارات المنتجة للمواهب، مما يمكنها من استقطاب لاعبين بأسعار منخفضة، لكن هذه الجهود تبقى محدودة ولا تعوض عن تراجع التنقيب المحلي، وفق تعبيره.
في الوقت الحالي، لم تعد الدوريات الرمضانية تُستغل كمنصة لاكتشاف المواهب الجديدة، كما كانت في السابق، يقول هشام في هذا الصدد: “في الوقت الحالي، الفرق لا تستغل الدوريات الرمضانية لاكتشاف مواهب جديدة، بل تعتمد على الصفقات فقط بشكل عشوائي، هذا الأمر الذي أصبح يطرح ألف سؤال لعدم قدرة أي فريق على تكوين لاعب من أبناءه”.
ويضيف المحلل الرياضي أن الاختبارات التي تجريها الفرق في بداية المواسم الكروية للفئات الشبابية يمكن اعتبارها شبيهة بعملية التنقيب، لكنها تبقى غير كافية، مؤكدا أنه “في أغلب الحالات، اللاعب الاستثنائي يجب البحث عنه، وإذا سألت أغلب اللاعبين المغاربة الكبار، فستجد أن حكايتهم مع كرة القدم بدأت بعدما تم اكتشافهم في أحد الأحياء”.