لا يعد تنظيم نهائيات كأس العالم مجرد حدث رياضي عابر بل هو استثمار متعدد الجوانب يعكس طموح الدول لتحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية وسياسية تعزز من مكانتها عالميا، فرغم ما تتطلبه البطولة من استثمارات ضخمة قد تمثل تحديا ماليا إلا أن الدول المضيفة غالبا ما ترى أن المكاسب بعيدة المدى تفوق هذه التحديات، حيث يعكس تنظيم المحفل العالمي قوة البلدان وقدرتها على استضافة أكبر الأحداث الدولية.
تقرير تقييم الاتحاد الدولي لكرة القدم للملف المشترك المغربي الإسباني البرتغالي جاء ليؤكد قوة ومكانة هذه الدول، حيث حصل على تقييم 4.2 من 5، كما أنه ليس مجرد تقييم تقني بل هو مرآة للتطور التنموي والاقتصادي بالمملكة في جميع المجالات، إذ خص التقرير حيزا هاما لتقييم البنى التحتية بالمغرب من ملاعب ومنشآت رياضية فضلا عن المواصلات والإيواء وغيرها من المؤشرات الضرورية لتنظيم أي حدث عالمي من هذا الحجم، فالملاحظ من خلال تقرير "الفيفا" أن المغرب نجح في تحسين تنقيطه في النقل من 2.1 في ملف 2026 إلى 3.2 بعد حذف مدن تفتقر لأبسط وسائل النقل من قبيل الناظور وورزازات، فضلا عن تقييم مقبول لقطاع النقل والمواصلات.
تقرير الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" صدر في وقت مهم جداً للمملكة المغربية التي تشهد حالة استثنائية وغير مسبوقة في شق التطور على مستوى الملاعب الرياضية والبنى التحتية، خصوصاً في مدن الملاعب المرشحة لاستضافة البطولة الأغلى في العالم، وكما يعلم الجميع فإن اتحاد الكرة الدولي لا يجامل الدول ولا يضع بعين الاعتبار أي ظرف من الظروف التي قد تؤثر على نجاح "المونديال" وهذا ما شاهدناه في تقييم المدن المستضيفة، والذي كان صارماً ودقيقاً على جميع المستويات.
ولا شك أن نقطة قوة المغرب التي أبرزها التقرير هي ملاعبه، رغم أن أغلبها في طور التجهيز، حيث حصلت جل المنشآت الرياضية بالمملكة على تنقيط متميز ينافس، بل يتجاوز، عددا من ملاعب إسبانيا والبرتغال، فجميع الملاعب المغربية المدرجة في القائمة لم يقل تقييمها عن 4 من 5، مع بروز ملعب الحسن الثاني بالدار البيضاء، كمرشح ومنافس لتنظيم المباراة الافتتاحية أو النهائية مع ملعبي كامب نو ببرشلونة وسانتياغو برنابيو بمدريد، فضلا عن حصل ملعب الأمير المولى عبد الله بالرباط، وملعب فاس، على نقطة 4,1 على 5، في حين حصلت ملاعب طنجة ومراكش وأكادير على معدل 4 على 5، وترشيح ملعبي الرباط وطنجة لاحتضان إحدى مباراتي نصف النهائي.
ومن بين أكثر النقاط المثيرة في الملف المغربي حسب تقرير "الفيفا" هو حصول مدينة الدار البيضاء، التي يعتبرها البعض نقطة سوداء من ناحية النقل والمواصلات والبنى التحتية بفعل الكثافة السكانية العالية، على أفضل تنقيط بين المدن المغربية المرشحة، إذ حصلت على 4.3 من 5 في الملاعب، و4.7 كتقييم للمواصلات بالمدينة و4 من 5، كما أنها ستكون مركز النقل التلفزي لمباريات مونديال 2030، حيث ستنطلق منها إشارة جميع المباريات إلى العالم.
تحديات ونقاط ضعف
يظهر التقييم أن الإيواء والمواصلات تعتبران من نقاط ضعف الملف المغربي، فباستثناء مدينة الدار البيضاء ومراكش حصلت باقي المدن، بما فيها العاصمة الرباط، على تنقيط منخفض، بينما حلت مدينة طنجة في المركز الأخير لتقييم المدن المحتضنة لمونديال 2030، حيث نالت المواصلات والإقامة وفضاء المشجعين أقل تقييم بمدينة “البوغاز”، وحصلت على 2 من 5 في المواصلات والإقامة و3 من 5 في ساحات المشجعين، فيما حصلت على 4 من 5 في الملاعب، وبخصوص الطاقة الإيوائية، احتلت مدينة مراكش صدارة المدن المغربية بتنقيط 4,6/5 تليها مدينتي فاس وأكادير بتنقيط 4,5/5، ثم الرباط 4,1/5 والدار البيضاء 4,0، في وقت جاءت هذه الأخيرة في الصدارة كمتوسط للخدمات المقدمة.
وعلى غير المتوقع، لم تسجل "الفيفا" أي ملاحظات على القطاع الصحي في الملف المشترك، حيث اعتبر التقرير أن الملف يوفر المستوى اللازم من البنية التحتية الطبية لضمان نجاح تنظيم البطولة، مبرزا أن كل من المغرب والبرتغال وإسبانيا تتمتع بأنظمة صحية متطورة ذات قدرة ومعايير كافية لتلبية احتياجات الفرق المشاركة وزوار كأس العالم 2030 من حيث الرعاية الصحية والخدمات الطبية، فبشكل عام، يرى التقرير أن معايير الرعاية الطبية ومستوى مقدمي الخدمات والمرافق مرتفعة، مع الامتثال لمتطلبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات فيما يتعلق بالإجراءات الخاصة بمكافحة المنشطات.
إن تنظيم محفل عالمي بهذا الحجم بصفة مشتركة، سيضع المغرب أمام مقارنة لا مناص منها مع إسبانيا والبرتغال في جودة الخدمات، ما سيدفع المملكة نحو تحسين الخدمات السياحية والبنية التحتية بشكل يتماشى مع متطلبات البطولة، ويقدم مستوى متقدما من الراحة للزوار، تشمل توفير مرافق عالية الجودة في الفنادق والمطاعم والمواصلات، لذلك فإن تقرير "الفيفا" يرفع سقف التحدي أمام المملكة المغربية لخلق فرص عمل وتحفيز النمو الاقتصادي من خلال استقطاب الاستثمارات الدولية والسياح الأجانب وتعزيز القوّة الناعمة للمغرب.
فرصة لا تعوض
ويعد مونديال 2030 فرصة لا تعوض لمواصلة الدبلوماسية الرياضية وحشد دعم أكبر للقضية الوطنية، ودعم مكانة المغرب كأحد أهم الوجهات الآمنة للاستثمار والسياحة، غير أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال تعزيز قدرات المغرب في مجال البنية التحتية ودعم القطاع السياحي، وسط توقعات بأن تبلغ عائدات السياحة لعام 2030 حوالي 120 مليار درهم، حيث يعد المونديال موعدا هاما للترويج للثقافة المغربية سواء في المدن الساحلية والشاطئية أو في السياحة الجبلية.
لا شك أن تنظيم هذا الحدث العالمي سيُدرّ على خزينة المملكة عائدات مالية ضخمة تقارب 1.2 مليار دولار، كما ينتظر أن تمتد الفوائد لتشمل مختلف القطاعات، بدءًا من خلق فرص عمل وفيرة للشباب، إلى تنشيط السياحة، وتحفيز الاستثمار، وتعزيز البنية التحتية، ناهيك عن المكاسب غير المباشرة المتمثلة في تعزيز صورة المغرب كمركز ثقافي وحضاري رائد.
رغم أن استضافة كأس العالم يشكل فرصة استثنائية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب، إلا أن هذا الهدف مرتبط بتحديات كبيرة تتطلب سياسات ناجعة لتحقيق مردودية مستدامة على المدى الطويل، حيث لا يمكن الوصول لسنة 2030 في الجاهزية التامة إلا من معالجة بعض التحديات الجوهرية التي تتعلق بالنموذج الاقتصادي للملاعب والبنية التحتية، وضبط معدلات المديونية في توقعات بأن تبلغ تكاليف التنظيم بالنسبة للمغرب حوالي 52 مليار درهم، فضلا عن خطر تعميق الفجوة المجالية بين المدن المنتظمة للمونديال وباقي مناطق المملكة.